بعدما تضع أنثى الأخطبوط مجموعة من البيوض، تفعل ما يفعله أي والد جديد: تراقب صغارها بعناية. تبقى معهم في عرينها، تحميهم من المفترسات، وتنفخ الماء فوقهم لتزويدهم بالأوكسجين، كما كتب نيكولاس باكالار في صحيفة نيويورك تايمز. لكن سلوكها سرعان ما يتحوّل إلى سلوك غريب؛ إذ تتوقف عن الأكل وتبدأ بإيذاء نفسها، فتمزق جلدها أو حتى تأكل أذرعها، وتموت قبل أن تفقس البيوض.

لطالما علم العلماء أن الغدد البصرية لدى الأخطبوط مسؤولة عن هذا السلوك. فعندما تُزال هذه الغدد، تعود الأخطبوطات إلى الأكل وتعيش لعدة أشهر إضافية. غير أن الطريقة التي تُفعِّل بها هذه الغدد عملية الموت المروعة ظلت لغزًا. والآن، في دراسة جديدة نُشرت في مجلة Current Biology، وصف الباحثون تغيرات في مجموعة من المسارات الكيميائية الحيوية التي تحدث بعد التزاوج، ويُحتمل أن تكون مسؤولة عن تدمير الأنثى لنفسها. أحد هذه التغيرات يؤدي إلى ارتفاع مستوى 7-ديهيدروكوليسترول (7-DHC)، وهو مادة سابقة لتكوّن الكوليسترول.

تقول زي. يان وانغ، أستاذة علم النفس والأحياء في جامعة واشنطن والمؤلفة الرئيسة للدراسة:

 "نحن نعلم أن الكوليسترول مهم من الناحية الغذائية، وأيضًا في أنظمة الإشارات المختلفة داخل الجسم. فهو يشارك في كل شيء، من مرونة أغشية الخلايا إلى إنتاج هرمونات التوتر، لكن من المدهش أن نراه يلعب دورًا في دورة الحياة هذه أيضًا."

قام الباحثون بدراسة الغدد البصرية والفصوص البصرية لدى إناث الأخطبوط الأزرق المرقط في كاليفورنيا، سواء المتزاوجة أو غير المتزاوجة، كما أوضحت كريستا ليستيه-لاسير في مجلة نيو ساينتست. وفي ورقتهم العلمية، وصف العلماء ثلاثة مسارات كيميائية تؤدي إلى زيادة إنتاج الهرمونات الستيرويدية بعد عملية التكاثر. ينتج المسار الأول هرمونات الحمل، فيما ينتج المساران الآخران مادتي 7-DHC ووسائط أحماض الصفراء، ولم يكن يُعرف سابقًا أن لهما علاقة بظاهرة التكاثر الأحادي (semelparity)، وهي الاستراتيجية التي يتكاثر فيها الحيوان مرة واحدة فقط قبل أن يموت.

يقول روجر تي. هانلون، وهو عالم بارز في مختبر الأحياء البحرية في وودز هول بولاية ماساتشوستس، ولم يشارك في الدراسة:

 "إنها دراسة أنيقة وأصيلة تتناول سؤالًا طالما حيّر العلماء حول التكاثر والموت المبرمج لدى معظم أنواع الأخطبوطات."

ويُعدّ هذا السلوك التدميري غريبًا بشكل خاص، لأن الكائنات ذات الأدمغة الكبيرة – مثل الأخطبوط – تميل عادةً إلى طول العمر، بحسب نيو ساينتست. ويقول كليفتون راغزديل، أستاذ علم الأعصاب في جامعة شيكاغو وأحد مؤلفي الدراسة، في بيان له:

 "ما يثير الانتباه هو أنها تمر بسلسلة من التغيرات تجعلها تبدو وكأنها تفقد عقلها قبل الموت بقليل. ربما يكون ذلك ناتجًا عن عمليتين أو ثلاث أو أكثر. الآن، أصبح لدينا على الأقل ثلاث مسارات مستقلة لإنتاج الهرمونات الستيرويدية يمكن أن تفسّر تعدد التأثيرات التي تُظهرها هذه الحيوانات."

وتوجد بعض هذه المسارات المنتجة للكوليسترول أيضًا في الثدييات والقوارض. لدى البشر، يؤدي ارتفاع مستويات 7-DHC إلى التسمم والموت، ويُعدّ مؤشرًا على اضطراب وراثي يُعرف باسم متلازمة سميث–ليملي–أوبيتز (SLOS)، الناتجة عن طفرة في الإنزيم الذي يحوّل 7-DHC إلى كوليسترول، ما قد يؤدي إلى سلوك إيذاء الذات لدى الأطفال.

وتقول وانغ لمجلة نيو ساينتست:

 "التشابه المهم هنا هو أننا نرى في كلٍّ من البشر والأخطبوطات أن المستويات العالية من 7-DHC ترتبط بالسمّية والموت. وهذا أمر مثير جدًا للاهتمام، نظرًا للاختلاف التطوري الهائل بين هذين الكائنين."