كانت كلما تعود أمي من زيارة أخي ميمو في المصحة بمدينة (جرجنت)، تبدو مهتزة وكأنها شخص آخر, ذات يوم أصررت على الذهاب معها، أردتُ معرفة السبب الذي يجعل تأثير الزيارة عليها مؤلماً إلى هذا الحد, أخذتني، لكن عندما وصلنا تمنيت لو لم تفعل .
كان أخي عارياً، مغطى بالكدمات والخدوش، يخطو ذهاباً وعودة في ما بدا لي طريقاً أبدياً نحو اللاشيء. عالمه كان ظلمة بلا نهاية, لم تكن هناك ألوان، والأهم من ذلك، لم تكن هناك حرارة. أرضية المكان أقرب لمرحاض قذر، كل شيء كان مقرفاً، الملاءات مبقعة, والمراتب تعبق برائحة البول, لم يكن في المصحة أي أثر لشيء يدعى الكرامة الإنسانية.
أما الأرواح المسكينة المقيمة هنا، فكانوا ينزلقون بلا توقف إلى أعماق جحيم خارجي يزيد عذابهم الداخلي بؤساً على بؤس, أصابني الرعب، تمنيت لو أخذتُ أخي بعيداً معي، لكني علمت أن هذا لم يكن بوسعنا. في طريق العودة، فكرتُ طويلاً في ما شهدته، وفهمتُ الآن لماذا كانت أمي تعود بملامح منكمشة على نفسها من فرط الألم، ملامح من لا يملك من الأمر شيئاً لينقذ الشخص الذي يحبه أكثر في هذا العالم: ابنه .
#كتـاب_دمــوع_الـمـلـح