في البداية تعريف بسيط بالكاتب وهو الشيخ ابراهيم عمر السكران وهو سلفي وحقوقي سعودي نُشرت له عدة أبحاث وكتب علمية رائعه أشهرها : مآلات الخطاب المدني، رقائق القرآن، الطريق الي القرآن، وكتابنا اليوم: الماجريات.
بدون أدنى شك يُدرك أهل الصلاح والعلم أن الحل الوحيد للخروج من الأزمات المتتالية للأمه الأسلامية هو إحياء الأيمان والتعلق بالله وتزكية الأخلاق والقيم والعودة لكتاب الله وسنة رسوله. ولا يخفىٰ علي أحدكم كم التدهور الأخلاقي والديني والقيمي لدي المجتمع لذا فبداية الحل تكمن في تكوين دراية واسعة بمشاكل المجتمع الحالي والذي يسميه الكاتب والعلماء علي مر العصور " فقه الواقع"، ومن هذه النقطه صاغ من أين حلت المشكلة وكيف تطورت الي أن صارت الي ما هي عليه يقول إن احصائية واحد من كل ثمانية أفراد في الولايات المتحدة مصابين بالأدمان الشبكي " الانترنت" في دراسة أجريت في العام
2006
، والذي أظنه أن النسبة قد تضاعفت أربع أضعاف والله اعلم حيث يتحول النموذج من اسوء لأسوء بمرور الوقت.
ومن هنا فصل الكاتب أنواع وإشكاليات الماجريات الشبكية وكيفية إنغماس الأفراد في تتبع المهاترات الفكرية ومتتاليات الخبر والتعليق والتعليق علي التعليق وظاهرة التصفح المتمادي المستطرد( الاسكرول الا متناهي) علي حساب التحصيل العلمي والإنتاج الإصلاحي منها ما يصل إلي حد السلوك القهرى.
ثم ينتقل الكاتب لعرض نماذج مشروعه الدعوى والإصلاحي وكان لكل نموذج منهم طريقته في تجنب الماجريات السياسية( والإنغماس السياسي بداية من نموذج الشيخ (البشير الابراهيمي)-رحمه الله-وكيف كان منذ نعومة أظافره جادً متسامي عن الترهات ونموذجًا خلاباً للدراية بفقه الواقع والإصلاح السياسي دون أن يشغله ذلك عن التكوين العلمي في حفظ العلم وضبطه والمطالعه بنهم ورأينا كيف يُحذر الشباب أن لا يفقدوا توازنهم بين طلب العلم والانصراف عنه بتتبع الأنباء والوقائع والأحداث.
وها هو الأستاذ (مالك بن نبي)-رحمه الله-يصوغ لنا أشد عبارات الإنتماء وهو يتكلف بنفسه الدفاع عن مبادئه من هيمنة الإستعمار وخطوته في التنوير والمعرفة والتحليل والذي صاغه في أن الطريق لتحرير الامه ليس الإنخراط في الخطابات والجدليات السياسية وإنما هو منطق العمل الإصلاحي للمجتمع.
والذي يقودنا لنموذج الشيخ (أبو الحسن الندوي)-رحمه الله- وكتابه ذائع الصيت " ماذا خسرت البشرية بتراجع المسلمين عن دورهم التاريخي" والذي تَطلبهُ أن يكون علي دراية بأربعة لغات والقراءة المنظمه في تاريخ الأمم والثقافات ودوره في رفع مستوى التصعيد في الإنهماك السياسي إلى مستوى التأصيل الشرعي وجعل غاية الإسلام هو المشروع السياسي والبقية وسائل والذي أختلف معه في تلك الجزئية.
ثم إنتقاله للمثقف المصري (د.عبد الوهاب المسيري) صاحب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" والذي يحكي لنا في سيرته الذاتيه كيف قاده العمل في الموسوعه إلى الاستيقاظ في السادسة صباحاً حتي الثانية عشر مساءً مدة ١٦ ساعة يومياً مدة ثلاثين عامًا وإخباره بأن من أكبر الأوهام تصور أن المشروع الفكري المؤثر يتطلب الإنهماك في ملاحقة الأحداث والأنباء اليومية.
وها هو أشدهم حرصاً علي التنوير في هذا الجانب الدكتور (فريد الانصاري)-رحمه الله- والذي كتب أربع رسالات شديدة الحرص والاهتمام بإشكالية العلاقة بين العمل في المجال السياسي والمشروع الدعوي ( الفجور السياسي، التضخم السياسي، الأخطاء السته، الفطرية) ودوره في توضيح جانب تحول الشباب من الدعوية الإصلاحية في المجتمع إلى مجرد أدوات توظفُهم السياسة لإيهام المجتمع بالإصلاح.
وصولاً لجوانب حل المشكلة وكيفية تحفيزها عند ذكر العديد من الجوانب :
الاستنامه للواقع : هناك الكثير يظنون أن حل مشاكل الأمه يمكن في الاستغراق في متابعة الواقع وأحداثه وقد اقتبس الكاتب جملة توضيحية مبهرة للأستاذ "سيد قطب" يقول فيها :
الاستغراق في واقع الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له، فلا تحاول تغييره.
الصوم عن الأخبار: وخير مثال لنا في توضيح تلك الفكرة مشروع الدكتور عبد الوهاب المسيري واعتزاله علاقاته الاجتماعية والعمل الجامعي لأجل التحصيل والإنتاج العلمي.
امتيازات الفتوة العلمية: وهو تذكير بالمرحلة الذهبية للتحصيل العلمي في فترات الشباب وسرعة إنقضائها.
يقول الأمام احمد بن حنبل: ما شبهت الشباب الا بشئ كان في كمي وسقط .
الغيرة علي الزمن: من أنواع الغيرة هي الغيرة علي الوقت يقول شمس الدين بن القيم: وكذلك يغار علي أوقاته أن تذهب بعضها في غير رضى محبوبه".
الزمن كأنفاس
يقول الأمام ابو حامد الغزالي: إن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها"
القياس الي فضول العلم: وفيها قارن بين انشغال طلاب العلم في زمن ابن تيميه بفضول العلم فكانوا ينشغلون بالكلام والجدال والخلاف وحتى غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها فسمى الامام هذا إنشغال فماذا عن الانشغال بما دونها بدركات سحيقة في واقعنا الحالي ؟!.
مصارف طاقة التفكير: تنبيه بأن رصيد الأنسان من طاقة التفكير ليس رصيدا مفتوح بل إنها ثروة ولها قدر محدود فأجعله فيما هو خير من التأمل في الماجريات.
إستبحار العلم: ضرورة الإدراك أن طلب العلم وأصوله لا يستوعبه العمر بطوله لذا نصح العلماء وحذروا الطلاب من التشتت أمام سعة العلم والأنصراف عنه بالمهاترات الفكرية والمجاريات المختلفه.
تقييمي للكتاب : 8.5/10
فيما أظن والله أعلم أن هذا الجانب لم يتم تغطيته بهذه الطريقة من قبل وقد وفق الكاتب في إيضاح وتفسير الظاهرة وعلاجها بطريقة النماذج لكنها تفتقر لخطوات جدية يسير عليها القارئ لكن دون ذلك من عرض وتحفيز لجوانب حل المشكلة فهو ممتاز وأسلوب الكاتب الجزل في بعض المصطلحات والذي أظنه أنه كان يمكنه استخدام لغة أقرب قليلاً للجمهور خاصة أنه يستهدف فئة الشباب بالأغلبية، يُنصح به وبشدة للأشخاص أصحاب الأدمان الشبكي وإدمان التواصل الإجتماعي والانهماك السياسي والانصراف بهم عن المقصود الأسمى والتحصيل في سن صغير.
المصدر: مواقع إلكترونية